by منصة عقول

يوميات معلمة (3) “المعلم وعين الرحمة”

منذ بداية تلك السلسلة من المقالات ونحن نتفق على أن دور المعلم يتخطى دور الشرح والتلقين ليتسع لدور المربي والقدوة، وأن كل كلمة أو فعل يقوم به المعلم هو بالقطع له التأثير الأكبر على طلابه.

فمن الأقوال المأثورة للأديب العالمي “نجيب محفوظ”: «يمتلك المعلم أعظم مهنة، إذ تتخرج على يديه جميع المهن الأخرى».
لذا فلا تستهين عزيزي المعلم بدورك وتعامل دائما مع طلابك من موقع المسئولية حتى تكون وبحق بانيا ومربيا للأجيال القادمة، ومن تلك المقدمة انطلق لأحكي أحد المواقف التي مرت بي خلال عملي كمعلمة والتي تعلمت منها شخصيا الكثير.

 

كان لدي تلميذ صغير لكنه متأخر دراسيا بشكل كبير، ويبدو عليه الإهمال في كل شيء، في مظهره وكتبه وأدواته، لكن كان الغريب أنه طيب وعاطفي بشكل كبير، فهو دائما ما يتقرب لي أو يخبرني أنه يحبني ببراءة الأطفال وطيبتهم وهذا ما كان يؤثر في فيمنعني من عقابه.

بعد مرور حوالي أسبوعين من بداية العام الدراسي قررت أنه يجب أن يكون لي دور معه أو على الأقل أتواصل مع المنزل لنعرف مشكلته ونحاول حلها، لذا طلبت منه أن يأتيني في فترة “البريك” لنتحدث سويا.

 

جاء الصغير وليس معه طعام كباقي زملائه ولكن معه نقود ليشتري بها طعاماً!
قلت له: حبيبي هي ليه ماما مش بتعملك سندوتشات عشان تبقى صحية ونظيفة؟!

– نظر إلى نظرة لا أستطيع نسيانها وقال بصوت متقطع: ماما ماتت!!
وقعت كلماته كالخنجر في صدري، وتمالكت نفسي، وقلت: حبيبي ربنا يرحمها أكيد هي في الجنة دلوقتي وبتبص عليك ونفسها تشوف أحسن واحد في الدنيا.
رد الصغير: أنا عارف إنها في الجنة.

سألته: وبابا فين؟!
رد: بابا متجوز وقاعد في بيت تاني!

يا الله كيف تجمعت كل تلك الأحداث على قلب الصغير؟!
عدت لأسأله: ومع من تعيش حاليا؟!
رد الصغير ببراءة: مع أخويا الكبير، هو بيروح الشغل الصبح وبيسيبلي الفلوس دي وبيرجع بالليل يجهزلنا الغدا!!

لم أتمالك نفسي واحتضنت الصغير بشدة، ولكني عدت لأسأله: ومن يذاكر معك أو يعد لك ملابسك وطعامك؟!
قال: أخويا بس هو بيرجع من الشغل تعبان وبيجهز الأكل وناكل سوا وننام!

 

شعرت أن كل المأسي تجمعت في قلب ذلك الصغير، كما شعرت بالخجل من نفسي أنني كنت أفكر في عقابه يوماً، فهل قدره أن يحتمل كل تلك العقوبات مجتمعة؟!

شعرت أنني وكل المعلمين مدينين له بالاعتذار بل وواجبنا أن نأخذ بيده ونساعده قدر طاقتنا حتى يشتد عوده بعض الشيء ويستطيع استيعاب كل ما يحيط به من ابتلاءات.

ومنذ ذلك بدأت معه دروس تقوية لرفع مستواه وكنت أشرح للفصل وأختصه هو بشرح ما فاته ومساعدته في حل الواجب.

كما كنت أختصه ببعص العطف والحنان والإهتمام لتعويض ما يفتقده في حياته من حنان الأم ورعاية الأب.

لا أنكر أن التلميذ بدأ يتحسن مستواه ولكن ما تحسن أكثر في نفسيته ومدى تجاوبه في الفصل وكذلك تعاملاته مع زملائه.

المعلم ليس ملقن ولكنه إنسان بكل ما تحمل الكلمة من معان فلا تحكم على تلميذ من مظهره ولكن ابحث بداخله لتصل إلى جوهر مشكلته وانطلق منها لتعالج وتُقَوّم وتغرس بداخله غرسا طيبا.

تابعونا على منصة عقول التعليمية ويوميات متجددة يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع

 

اقرأ أيضا:

يوميات معلمة (١): عندما يأخذ الطالب شيئًا ليس من حقه.. ماذا أفعل؟

يوميات معلمة (٢).. في فصل المشاغبات     

 

 

اترك تعليقاً