by منصة عقول

يوميات معلمة (٤): المعلم وروح المربي

  تتنوع القصص في حياة المعلم وتأخذ أشكالا عدة لكنها لا تنسلخ أبدا من طابعها الأخلاقي والتربوي، ولا يمكن انتزاع البعد الإنساني عنها، لأن المعلم هو الملهم والقدوة لطلابه.
 
ومن أجمل أراء الكاتب الأمريكي “ويليام آرثر وارد”، قوله: «المعلم المتواضع يخبرنا، والجيد يشرح لنا، والمتميز يبرهن لنا، أما المعلم العظيم فهو الذي يلهمنا».
والمشكلة أنه بغياب المعلم الملهم تقلص دور المعلم وانحسر في أدوار صغيرة لا تترك الأثر البالغ في حياة الطلاب، ومن هذه النقطة نبدأ قصة اليوم، لكنها تختلف بعض الشيء عن القصص السابقة لأنها تدور خارج أسوار المدرسة.
 
تركت العمل بإحدى المدارس والتحقت بآخرى ولكن علاقتي بطلابي القدامى لم تنقطع، فقد استمر تواصلي معهم بشكل دائم، وذات مرة حدثتني إحدى الطالبات وكانت تبكي بشدة وطلبت أن تتحدث معي، دعوتها لزيارتي، وبدأت حديثها بأنها لم تعد ترغب في الحياة وأنها تفكر في الانتحار وكلام من ذلك القبيل.
 
استمعت إليها في صمت وواصلت كلامها أنها ضاقت ذرعا من قيود والديها وأنها تعاني الوحدة فلا أحد يهتم بها أو يتابع أحوالها!
 
كان الكلام صادماً بالنسبة لي، فأنا أعرف أن التمرد من أبرز صفات ذلك الجيل، ولكن أن يقود التمرد للهاوية فهذه كارثة.
 
هدأت من روعها وبدأت استمع لشكواها لأصل لمعلومة مؤكدة أن تحقيق رغبات الطفل في المطلق يجعله يعتاد الأنانية، وأن الرفاهية الزائدة تدفعه للملل من حياته، وغياب الوازع الديني مع كل ذلك هو الدافع للهاوية وللتفكير في التخلص من الحياة بأكملها.
 
تحدثنا كثيرا واستمعت لها بإنصات فقد كانت تبحث عمن يستمع إليها، وبعد أن هدأت طلبت منها أن تعود لمنزلها وسيكون لنا حديث آخر.
 
في اليوم التالي اتصلت بوالدتها وكانت سيدة رائعة ومتفهمة جدا حدثتني أن ابنتها عندية لأقصى درجة، ولا تقبل التوجيه بأي شكل من الأشكال.
سألتها: وما هو رد فعلك معها؟!
 
اخبرتني أنها تعنفها كثيرا وتعاند معها أيضا وبالتالي يكبر العناد بينهما حتى يصلا لطريق مسدود.
 
اقترحت عليها أن تذهب لطبيب نفسي وتعرض عليه الأمر ليضع لها خطة للتعامل مع ابنتها، وبالفعل ذهبت للطبيب ووضح لها الأخطاء التي كانت تقع فيها خلال التعامل مع ابنتها، كما شرح لها كيفية التعامل معها في المواقف المختلفة ولكن أهم ما أوصاها به هو تنمية الوازع الديني بداخلها مع الاهتمام بشغل أوقات الفراغ بالكامل.
 
والحمد لله أصبحت الطالبة أكثر هدوءا وواقعية وبدأت تنمي الموهبة الفنية لديها وانشغلت في كورسات رسم وتنمية بشرية وبدت أكثر قبولا للواقع وأكثر إشراقا.
 
أحيانا نرى أبناءنا مخطئين بينما نحن من نشارك في خطئهم بل ونزيده بعدم معرفتنا لكيفية التعامل معهم.
 
كما أنه من الضروري أن يهتم المعلم بالجانب الانساني والتربوي وألا يهمل ذلك أبدا لأنه صاحب الأثر الأكبر في نفوس طلابه.

اترك تعليقاً